يحتضن مسرح السنديانة من 24 إلى 26 أكتوبر 2025 فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان “يجمعنا المسرح”، التي تحمل هذا العام اسم الفنان الراحل أحمد السنوسي، أحد أبرز الوجوه التي بصمت الذاكرة المسرحية التونسية. تشرف على الدورة السيدة زهيرة بن عمار بدعم من وزارة الشؤون الثقافية والمؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية.
منذ لحظة الافتتاح، بدا جليّا أن المهرجان اختار أن يكون مساحة للوفاء قبل أن يكون مناسبة للعرض، فبرنامج التكريمات الذي افتتح به المهرجان كشف عن رغبة صادقة في إعادة الاعتبار لرموز الفن الرابع في تونس.
تكريم يليق برواد الخشبة
يحتفي المهرجان بعدد من القامات التي شكّلت وجها من وجوه المسرح التونسي في أزمنته المختلفة، ليكون التكريم لحظة امتنان جماعية أكثر منه مجرّد بروتوكول احتفالي.
من الرائدات اللواتي أبهرن الجمهور بأدائهن الخالص على الخشبة، كانت الممثلتين القديرتين منى نور الدين وسهام مصدّق في مقدمة المحتفى بهنّ، إلى جانب آمال بكوش وليلى طوبال وهيلين كاتزاراس، اللواتي مثّلن بأدوارهن المتنوّعة صورة المرأة الفنانة القادرة على التجدّد.
أما في الإخراج، فقد وقف الجمهور احتراما لتجارب كل من الطاهر علوان، الطاهر العجرودي، حمادي الوهايبي وحمادي المزّي، الذين تركوا بصمة فنية واضحة في النصوص الركحية وفي تكوين أجيال جديدة من الممثلين.
وشمل التكريم أيضا الممثل القدير إكرام عزوز، والممثلَين المنجي ورفلّي وعبد الحميد قيّاس، تقديرا لمسيرتهم الطويلة في تجسيد شخصيات مسرحية وإنسانية لا تُنسى.
ولم يغفل المهرجان عن تكريم الأسماء التي أسهمت من مواقع مختلفة في دعم المشهد الثقافي، على غرار الإعلامي الكبير حبيب جغام، والدكتور الأسعد الجمّوسي، والسيدة هالة سعد، والمخرجة فيروز بوعلي التي وُصفت بأنها من الأصوات الإخراجية المتألقة في الساحة التونسية.
تنوّعت خلفيات المكرَّمين وأجيالهم، لكن ما جمعهم جميعا هو الشغف بالمسرح والإيمان بأنه فن يُبقي الذاكرة حية مهما تغيّرت الأزمان
عروض فنية وتكوينية متنوعة
لم يقتصر المهرجان على التكريم، بل يقدّم برمجة متوازنة بين العروض والورش، تجسّد تواصلا بين الأجيال وتجارب مختلفة من الخشبة.
ففي اليوم الافتتاحي، قُدّم عرض موسيقي على آلة الكمان للفنانة تقى عسكري، تلاه شريط وثائقي عن الراحل أحمد السنوسي، ثم فيلم تسجيلي وعرض مسرحي بعنوان «لو تعلمون» من إخراج الطاهر علوان وإنتاج شركة فن المتوسط.
أما اليوم، الموافق لثاني ايام الدورة، فهو مناسبة للجانب الأكاديمي والتكويني، من خلال ماستر كلاس حول الإخراج المسرحي وإدارة الممثل بإشراف الدكتور حمادي الوهايبي، أعقبه عرض مسرحية “SDF” من إخراج وحيدة الدريدي، التي لاقت تفاعلا كبيرا من الجمهور.
وغدا في اليوم الختامي، سيخصص فضاء للأطفال من خلال ورشة «مسرح الأشياء» بإشراف المخرجة فيروز بوعلي، تليه مسرحية عرائسية بعنوان «كيف كيف» من إخراج حبيبة الجندوبي، ثم عرض فيلم «شمس الذيوبة» للمخرج رضا الباهي، الذي سينول شرف حضور الفنان ياسين السنوسي ليتحدّث عن أثر والده في تجربته الفنية.
مهرجان يحتفي بالذاكرة ويصنع الاستمرارية
تقدّم هذه الدورة نموذجا لمهرجان يوازن بين الوفاء للماضي والانفتاح على الحاضر.
فالتكريمات ليست مجرد بروتوكول بل فعل اعتراف يفتح الباب أمام استمرارية الإرث المسرحي.
أما العروض والورش فهي تعبّر عن رغبة في بناء جسر بين أجيال الفنانين، يلتقي فيه من صعدوا الخشبة منذ عقود بمن يتلمسون طريقهم إليها اليوم.
بهذا المعنى، لن يكون «يجمعنا المسرح» مجرّد عنوان، بل حقيقة تتجسّد في كل تفاصيل الدورة الرابعة: في الكلمات التي تُقال، في الدموع التي تُذرف، وفي ضحكات الممثلين حين يعودون إلى الركح الذي وحّدهم منذ الشغف أول.