
في ليلة غمرتها الأضواء والحنين، أشرقت “شمس الغنية اللبنانية” نجوى كرم على ركح مهرجان قرطاج الأثري في سهرة التاسع من أوت 2025، حاملة معها ذاكرة ممتدة على عقود من المحبة المتبادلة مع الجمهور التونسي. بفستان ذهبي يستوحي لونه من خيوط الشمس ولمسته من التاريخ، أطلت وسط إيقاعات الدبكة التي سبقت دخولها، لتثير الحماس وتدعو الأجساد إلى الرقص قبل أن يعلو صوتها مردّدًا: “عزك دايم يا قرطاج”.
منذ أولى خطواتها على هذا الركح سنة 1992، حافظت نجوى كرم على علاقة خاصة مع قرطاج، علاقة توثّقت في محطات فنية متتالية أعوام 1997 و1998 و2004 و2008 و2012، وآخرها في 2016، قبل أن تعود هذا العام لتؤكد أن حضورها ما زال نابضًا، وأن شمسها لم تعرف الغروب.
على مدى أكثر من ساعتين، نسجت نجوى كرم خيوط سهرتها بين الأغاني الجبلية الأصيلة، والمواويل الطربية العميقة، والإيقاعات الراقصة المفعمة بالتراث اللبناني، فتنقلت بسلاسة بين القديم والجديد، وأرضت أذواق جمهور واسع جمع بين الحنين إلى الكلاسيكيات والرغبة في سماع أعمالها الحديثة، ومنها أغنيات من ألبومها الجديد “حالة طوارئ”.
لم يكن الحضور الجماهيري مجرد أعداد تملأ المدارج، بل كان شريكًا فعليًا في العرض؛ يردد الكلمات، يصفّق على الإيقاع، ويرقص مع كل لحن. هذه الشراكة الوجدانية حولت الحفل إلى طقس فني خاص، تجاوز فكرة العرض الموسيقي التقليدي ليصبح جزءًا من ذاكرة المهرجان.تجلت الرومانسية والشاعرية مع نغمات البزق والقانون، في أغانٍ مثل “هيدا حكي”، “عاشقة”، “أيا أنا بدك”، “خليني شوفك بالليل” و”بالروح بالدم”، قبل أن تعلو الحماسة مع مدلي “تهموني” الذي أعاد الجمهور إلى أجواء حفلاتها الأولى.
الفرقة الموسيقية المصاحبة لعبت دورًا حيويًا في بناء هذه الأجواء، إذ انصهرت أصوات العود والطبلة والكمان والبزق في توزيع حي، مدعوم بإضاءة متناغمة حملت الأداء إلى مستوى بصري وسمعي متكامل.
بعد غياب يقارب تسع سنوات، عادت نجوى كرم إلى قرطاج بعرض متماسك ومتوازن، احتفى بمسيرتها الممتدة وبمخزونها الغنائي المتنوع، مثبتة مرة أخرى أنها قامة فنية ثابتة وسط مشهد موسيقي عربي متغير، وأن الركح الأثري سيظل دومًا إحدى محطاتها الأيقونية.