غيّب الموت صباح اليوم الفنان اللبناني الكبير زياد الرحباني عن عمر ناهز 69 عاماً، بعد رحلة طويلة من الإبداع الفني والتمرّد الجمالي، جمع فيها بين الموسيقى والمسرح والكتابة في تجربة فريدة يصعب تكرارها في المشهد الثقافي العربي.

ينتمي زياد إلى واحدة من أبرز العائلات الفنية في لبنان والعالم العربي، فهو ابن السيدة فيروز، الصوت الذي لا يُنسى، والموسيقار عاصي الرحباني أحد مؤسسي المدرسة الرحبانية التي شكّلت ذائقة جيلٍ كامل. لكن زياد لم يكتفِ بالإرث العائلي، بل سلك طريقه الخاص مبكراً، متمرّداً على القوالب الجاهزة، وناقداً لواقع مجتمعه بلغة فنية تتراوح بين المرارة والسخرية.كانت بدايته في عام 1973 حين لحّن لوالدته أغنية “سألوني الناس”، وهي من كلمات منصور الرحباني، وقد أدّتها فيروز خلال غياب زوجها عاصي عن المسرح بسبب المرض. هذا اللحن كان نقطة انطلاق لعالم زياد الرحباني، الذي سرعان ما أصبح اسماً مستقلاً له بصمته الواضحة.

ورغم أن زياد بدأ حياته بكتابة نصوص شعرية روحية بعنوان “صديقي الله”، إلا أن اختياره النهائي كان للموسيقى والمسرح، حيث قدّم أعمالاً لاقت صدى واسعاً لما تحمله من جرأة في الطرح وعمق في التعبير، خاصة في ظل الأوضاع السياسية والاجتماعية الصعبة التي مرّ بها لبنان.تميّزت مسرحياته مثل “بالنسبة لبكرا شو”، و**”فيلم أميركي طويل”، و”نزل السرور”** بلغة حوارية حية ومباشرة، تعكس هموم المواطن العادي، وتنتقد السلطة والفساد الطائفي والسياسي، بأسلوب تهكمي لاذع.

زياد لم يكن فناناً عادياً، بل كان حالة ثقافية وفكرية كاملة، متفرّدة، تزعج وتحرّض وتثير الأسئلة، وهو ما جعله واحداً من أكثر الفنانين إثارة للجدل، ومحبّة أيضاً.

برحيله، يخسر لبنان والعالم العربي صوتاً حرّاً وفكراً متقداً ومدرسة فنية متكاملة.

إظهار التعليقاتإغلاق التعليقات

اترك تعليقًا